تلك هي رؤية اللوبي اليهودي للدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح، والتي تحظى بموافقة بعض أركان الائتلاف. الثمن تفكيك سوريا الى دويلات وضعت خرائطها من سنوات على الطاولة ـ وعلى الأرض ـ باعتبار أن “الدولة القديمة” هناك لم تعد تمتلك الحد الأدنى من ديناميات البقاء.
كل ذلك توازياً مع تفكيك العراق واليمن، ناهيك عن تفكيك ليبيا والسودان. الأساس تجزئة سوريا، بالتنسيق مع رجب طيب اردوغان الذي يقدم خدمات استراتيجية هائلة الى الدولة العبرية، بتمنعه عن القيام بأي خطوة لمعالجة الوضع في ادلب وريفها، لا بل إنه يحتفظ بهذه الورقة ليلعبها مع الأميركيين ومع “الاسرائيليين” الذين يستخدمون كل نفوذهم لابقاء سوريا عالقة بين البقاء واللابقاء، الى أن تدق ساعة الدويلات.
المشكلة تبقى في كيفية ازالة حزب الله. في الأبحاث “الاسرائيلية”، التغيير الدراماتيكي في الخارطة السورية ـ ان حصل ـ لا يكفي. لا بد من تقويض نظام آيات الله. وهذا ما يستشف من عشرات مقالات برنار ـ هنري ليفي التي تختزل ما يسمى بـ “جيوبوليتيكا التوراة” !
في نظر المؤرخ آفي شلايم “هنا تتقاطع ثقافة الغباء مع ثقافة الغيب”، كما لو “أننا نمسك الكرة الأرضية بأصابعنا”. في نظره أن النموذج الاسبارطي أصيب بالشلل الرعاشي، دون أن يكون هناك أي مجال لتكرار ما حدث في حزيران 1967.
“اسرائيل” في أسوأ أحوالها. خلال حرب الأيام الستة، تمكن “الجيش الاسرائيلي” من احتلال نحو 67700 كيلومتر مربع. الآن، بعد نحو 50 يوماً ما زالت الدبابات تتعثر وهي تحاول السيطرة على 365 كيلومتراً مربعاً، بعرض يتراوح بين الـ6 والـ 12 كيلومتراً، وتحت حصار بري وبحري وجوي، يمنع حتى الماء والكهرباء والمحروقات، ويكاد يمنع الهواء.
حتى الأميركيون يتحدثون عن أن قادة “اسرائيل”، وعقب صدمة 7 تشرين الأول التي تنذر باطاحتهم جميعاً، يعانون من “ارتجاج دماغي”. هذا ما ظهر في طريقة تعاملهم الهمجي مع الأسرى الفلسطينييين المحررين. على المقلب الآخر، المقاومون وفي ظل ذلك الخراب الدموي، تعاملوا مع الأسرى بمنتهى الرهافة الأخلاقية والانسانية.
“الاسرائيلون” الذي عاشوا قروناً عل ضفتي الأطلسي لم تعلق في رؤوسهم سوى عهود البربرية، وحيث التماهي بين تلك العهود ومنطق التوراة (والتلمود)، حيث لا وجود للآخر الا وهو معلّق على الخشبة…
بكل معنى الكلمة، ثمة شعب جبار بآلامه وببطولاته. هؤلاء هم الفلسطينيون، بعيداً عن بهلوانيات ياسر عرفات وعن زبائنية اسماعيل هنية (لاحظتم شكره لدول معينة في صفقة الأسرى، دون أي اشارة الى من بذل ويبذل دمه لتحريرهم). الجنرال “الاسرائيلي” يوسي لتغوتسكي دعا أركان الائتلاف الى الوعي بـ “الحالة الاسرائيلية”، وبـ “الحالة الفلسطينية”. “المجانين وحدهم يفكرون في ازالة جبال البيرينيه بالمعاول” .
سوريا تُستنزف. لبنان يُستنزف. ذلك الخواء الكارثي. الأميركيون احترفوا رعاية القيادات السياسية العفنة على امتداد الكرة الأرضية. سفراء عرب يرددون في مجالسهم الخاصة أن ما يجري في لبنان، وحيث دومينو الفراغ يمتد من رئاسة الدولة الى المؤسسات الحيوية والمقفلة، تزامناً مع تأجيج الصراعات على أكثر من توقيت اقليمي أو دولي، مبرمج لالحاق لبنان بـ “ميثاق ابراهيم”.
لا مناص من أن تتغيّر نظرة اللوبي الى المشهد. اجتثاث المقاومة اللبنانية والفلسطينية، لم يعد الرهان الذهبي الذي بنيت عليه السياسات والخرائط. ما حدث في غزة، وما ظهر عبر الخط الأزرق ( حيث صراع الأدمغة)، اثار ذهول الأميركيين الذين يبذلون قصارى جهودهم للحيلولة دون اتساع رقعة الحرب، بما في ذلك المدى الزمني.
للمرة الأولى يحدث مثل ذلك التوافق بين تلة الكابيتول والبيت الأبيض. الخطر الأكبر على “اسرائيل” هم “الاسرائيليون”. لم يعد بامكان ديفيد أغناسيوس وصف هؤلاء بـ “أصحاب العظام الخشنة”. ثمة من حطم هذه العظام في الميدان. حتى أن كبار المعلقين لا يرون أن الحل (الآن) في تغيير القيادة الحالية، وانما بتغيير المسار الايديولوجي للدولة العبرية.
“اسرائيل” على مفترق…