مقالات

الشفاء والمخطوفون في مركز القضية، والحرب تصل إلى مرحلة خطِرة، هل خانيونس هي الهدف المقبل؟

Israel Defense - عمير ربابورت

حتى الآن، يُدار القتال الذي يخوضه الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، كأنه لا وجود لصفقة بشأن المخطوفين. فإذا نظرنا إلى أهداف الحرب الرئيسية الثلاثة: القضاء على سلطة “حماس” في قطاع غزة، وسحق قدراتها العسكرية، واستعادة المخطوفين، فإننا نرى أن الهدف الأول هو الأسرع في التحقق.لقد فقدت حركة “حماس” فعلاً السيطرة على ما يجري في القطاع، مدنياً، وخصوصاً في الشمال، لكنها لا تزال بعيدة عن الاستسلام، ولم تنخفض وتيرة القتال، بل قد يتّسع.

لنبدأ بمعضلة المخطوفين

هذه هي المرة الثالثة التي يضع فيها يحيى السنوار بنيامين نتنياهو أمام قرار صعب ومصيري. في تشرين الأول/أكتوبر2011، طلب نتنياهو من سكرتير الحكومة، تسفيكا هاوزر، الدعوة إلى جلسة حكومية تصادق فيها الحكومة على الصفقة القاضية بإطلاق سراح 1027 من السجناء الفلسطينيين، في مقابل إطلاق سراح جلعاد شاليط. السنوار، الذي دخل إلى السجن، حاملاً لقب “جزّار خانيونس” سنة 1989، كان آنذاك زعيم الأسرى بلا منازع، وهو من خاض المفاوضات أمام إسرائيل.
قبل أن يتصل بالوزراء، اتصل هاوزر بالمستشار السياسي، الذي كان في منزله في ذلك الوقت. وسأله عما إذا كان يعلم بالصفقة، فأجابه بالنفي التام. بعد أيام قليلة، تم إطلاق سراح السنوار من السجن، على الرغم من أنه لم يكن مستعداً لتوقيع تعهُّد خطي بعدم المشاركة في “الإرهاب” مرة أُخرى.

المعضلة الثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، حين اضطر نتنياهو إلى الاختيار بين أن يقف إلى جانب السنوار وبين وزير دفاعه، أفيغدور ليبرمان، الذي عارض بشدة “التسوية” مع حركة “حماس”، بما يشمل السماح بتمرير حقائب المال القطرية الشهيرة. بتنا الآن نعلم، بمفعول رجعي، بأن السنوار الذي صار في ذلك الوقت الزعيم الرسمي لحركة “حماس” في قطاع غزة، بذل جهوداً في جعل نتنياهو يقتنع، من خلال الرسالة التي كتب عليها بخط يده، وبالعبرية، عبارة “مخاطرة محسوبة”. لقد اختار نتنياهو السنوار، أما ليبرمان، فقد استقال.

ما الذي يحدث إذاً في تشرين الثاني/نوفمبر 2023؟ مع كامل الاحترام للكابينيت الذي يناقش هذا الموضوع، فإن الثقل الوحشي للقرار، وربما: المعضلة الأخلاقية الأكثر إشكالاً، تتمثل في :هل يجب السعي لتحرير جزء من المخطوفين في مقابل سجناء فلسطينيين وهدنة تستمر بضعة أيام في الحرب؟ هذه المعضلة تحطّ على رأس نتنياهو، مجدداً. ما الذي تشمله هذه الصفقة المقترحة بالضبط؟ كيف سيتم تنفيذها؟ إن هذه التقلبات العاطفية التي شعر بها كلٌّ منا، في ضوء المنشورات المتعلقة بتقدّم، أو تراجُع الاتصالات، تؤدي إلى استنتاج، مفاده بأنه من المفضل انتظار حدوث التطورات، على أعصابنا. وبكلمات الناطق بلسان الجيش: “عندما يكون لدينا ما نحيطكم به، فسنقوم أولاً بإحاطة العائلات، وبعد ذلك الشعب”. هناك كثير من المعلومات المضللة، أصلاً، فيما يُنشر من جانب جميع الأطراف، من أجل التأثير في المفاوضات.

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال المتعلق بما إذا كان سيتم التوصل إلى صفقة، أم لا، هو سؤال تترتب عليه عواقب عملياتية فورية على قتال الجيش الإسرائيلي في عمق القطاع. إن هدنةً تستمر بضعة أيام، ستتيح لحركة “حماس” إنقاذ الجرحى من الأنفاق، كما ستتيح لها، بصورة أساسية، تلقّي صورة استخباراتية بشأن استعدادات القوات الإسرائيلية فوق الأرض، من أجل تنفيذ الهجمات فور انتهاء الهدنة. من شأن ما تقدم تكبيد قواتنا خسائر، لكن الجيش الإسرائيلي يقدّر أن في إمكانه تجديد هجمته الخاطفة على حركة “حماس” بنسب النجاح نفسها، تماماً كما فعل خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الاجتياح، بشكل أو بآخر.

يكمن الخلل في تقييم فرص نجاح الصفقة بصورة أساسية، إذا ما نظرنا إلى الأمر من زاوية السنوار: فإذا عاد وزير الدفاع الإسرائيلي للقول إن إسرائيل، بعد إجراء صفقة جزئية، ستواصل القتال حتى القضاء المبرم على حركة “حماس” وقتل زعمائها، فما الفائدة الحقيقية من مثل هذه الصفقة، من ناحيته؟ ربما يؤمن السنوار بأنه سينجح في إطالة أمد وقف إطلاق النار من أجل إنهاء الحرب؟ وربما يفكر في أن عشرات الأطفال والمدنيين الأجانب المحتجزين في قطاع غزة باتوا عبئاً أكثر من كونهم رصيداً لـ”حماس” (كما قال بايدن هذا الأسبوع)؟

هل السنوار جاد في التفاوض بشأن صفقة، أم أنه يشن حرباً نفسية قاسية، كما فعل عندما نشرت حركة “حماس” مقطع الفيديو الفظيع للجندية عدي مارتسيانو التي قُتلت في أثناء أسرها؟ هل هو عقلاني في قراراته، أم أنه مصرّ على القتال من خلف متراسه حتى الطلقة الأخيرة؟ والسؤال الأهم هنا هو: كم عدد المخطوفين الذين لا يزالون في قيد الحياة؟
هذه واحدة من أكبر المشكلات التي تواجهها إسرائيل: محاولة معرفة ما الذي يفكر فيه زعيم حركة “حماس”، وما الذي يخطط له. على حد عِلم المصادر الاستخباراتية، هناك حقيقة في ادعاءات إيران وحزب الله أن “حماس” لم تُشركهما في معلومات محددة بشأن الهجوم الذي نفّذته صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. يمكن عدّ الذين يأتمنهم السنوار على أسراره على أصابع اليد الواحدة، كما أنه يتواصل معهم، غالباً، من خلال قصاصات ورقية، كما كانت عليه الحال في أثناء سجنه. على رأس شركائه، هناك محمد الضيف، رئيس هيئة أركان “حماس”. يأتي الضغط على الضيف والسنوار من قطر (وهي وراء الاتصالات التي يقوم بها رئيس الموساد دادي بارنيع)، ومن مصر (المحور الذي يقوده رئيس الشاباك رونين بار). وللأسف الشديد، حتى لو تم إطلاق سراح جزء من المخطوفين في القريب العاجل، فإن قضية المخطوفين، كقضية شاملة، لا تزال بعيدة عن الحل.

الأنظار تتجه إلى جنوبي قطاع غزة

في هذه الأثناء، وصلت مناورات الجيش الإسرائيلي في شمالي قطاع غزة إلى المرحلة الخطِرة. إذ بات طرفا القتال يدرسان بعضهما الآن. في بعض الأحيان، تترك علائم الإنهاك الشديد أثرها، إلا إن جميع عناصر الجيش الذين أتحدث معهم، متفقون على أنه على الرغم من الألم الناجم عن سقوط الجنود، فإن أداء الجيش على أرض الميدان أفضل كثيراً من المتوقع، وهو ما بدّد الخوف الكبير الذي ساد الكابينيت، وخصوصاً رئيس الوزراء.

إن ما يواصل التأثير بصورة أساسية في حركة “حماس” عزيمة الجيش الإسرائيلي وقوته النارية. يواصل عناصر “حماس” الخروج من الأنفاق، والإغارة بين الفينة والأُخرى، وإطلاق المروحيات المسيّرة في محاولة لتقصّي أماكن وجود قواتنا، وبعدها الإغارة بواسطة مضادات الدروع. وطبعاً، زرع عدد غير قليل من العبوات الناسفة. وغالباً ما تتم تصفية هؤلاء العناصر قبل نجاحهم في تنفيذ مهماتهم، لكن ليس دائماً.
قرار إطلاق الجيش الإسرائيلي مناورته البرية في شمالي قطاع غزة، والتركيز على مدينة غزة نفسها، لم يأتِ من فراغ. الافتراض هنا كالتالي، حال حركة “حماس” كحال أي منظمة: إذا ما ضُرب “رأسها”، فمن الأسهل “معالجة” سائر الجسد.

لكن، حتى بعد التركيز الإسرائيلي على احتلال “المربع الأمني” وضرب الأهداف الاستراتيجية الأُخرى في مدينة غزة، والقضاء على نصف قادة الكتائب في “حماس”، فإن الوضع ليس سهلاً. التحدي القائم لا يزال كامناً في حرب الأنفاق. بصورة عامة، تملك “حماس” نوعين من الأنفاق: هجومية ودفاعية، وقد قام الجيش في أكثر من مناسبة بـ “معالجة” الأنفاق الهجومية منذ حملة “الجرف الصامد” في سنة 2014. وبناءً عليه، فإن الأنفاق، التي تعد جزءاً من المنظومة الدفاعية، ظلت هي التحدي الأكبر الآن، وهي أعمق كثيراً من سابقتها.

في هذا الأسبوع، واصلت الفرقتان النظاميتان 162 من شمالي مدينة غزة، و366 من جنوبها، تحمُّل العبء الأكبر من الهجوم. يواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ الغارات بواسطة طواقم القتال اللوائية. كما توجد في هاتين الفرقتين الألوية الأربعة من المشاة النظاميين: غفعاتي، وناحال، والمظليون، وغولاني، إلى جانب ألوية المدرعات النظامية، وقد تمكنت هذه الألوية من الالتقاء معاً في نقطة في قلب مدينة غزة.

إن كل غارة يشنها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة تهدف، إما إلى ضرب رموز السلطة، بهدف تحقيق إنجاز على صعيد الوعي (على غرار سيطرة لواء غولاني على مبنى البرلمان الفلسطيني، الذي تحول إلى غبار منثور، بعد التقاط الصورة الشهيرة فيه)، أو من خلال مواصلة تهشيم القدرات العسكرية لحركة “حماس”، نقطة عسكرية بعد أُخرى، فوهة نفق بعد فوهة أُخرى، أو في الدفع قدماً في اتجاه استعادة المخطوفين. إن السيطرة على مجمّع مستشفى الشفاء هدف إلى التقدم في اتجاه تحقيق الأهداف الثلاثة معاً.
لا يزال من غير الواضح ما الذي تم اكتشافه بالضبط في أجهزة الحاسوب التي جرى الاستيلاء عليها من مقر “حماس” في أقبية الشفاء (قال المتحدث بلسان الجيش لوسائل الإعلام الأجنبية يوم الخميس أنها تحتوي على صور للرهائن بعد خطفهم).

على مشارف نهاية الأسبوع، بات من الواضح أن السيطرة على المستشفى، مع ضمان إلحاق الحد الأدنى من الضرر الدعائي بإسرائيل، إنجاز عظيم. ويبدو أن الجيش سيصل إلى مزيد من المستشفيات. إن ممارسة البحث عن المخطوفين، أو على الأقل، العثور على أدلة ترتبط بالخطف، داخل المستشفيات، معروفة منذ الحملة الجريئة التي نفّذتها “سييرت متكال” و “شلداغ” في أحد المستشفيات في قلب معقل حزب الله في بعلبك، في حرب لبنان الثانية سنة 2006.

من المهم هنا الإشارة إلى أن وزير الدفاع صرّح في مؤتمر صحافي هذا الأسبوع، بأن الجيش الإسرائيلي لن يوقف القتال في قطاع غزة من دون القيام بعمليات في جنوبي قطاع غزة، خلف خط وادي غزة. ربما كان يقصد بصورة أساسية معقل حركة “حماس” الذي يتلو مدينة غزة في أهميته، المدينة التي وُلد فيها كلٌّ من الضيف والسنوار، خانيونس، الواقعة في قلب القطاع.
من المحتمل أن يكون قادة “حماس” منذ الآن في خانيونس، في هذه اللحظة تماماً. المشكلة أنه يوجد، الآن، في جنوبي القطاع أيضاً نحو مليوني فلسطيني، بعد أن استجاب أكثر من مليون منهم للمطالب الداعية إلى إخلاء شمالي القطاع.

ما هو الهدف التالي؟

على مشارف نهاية الأسبوع، تم توزيع مناشير تدعو إلى إخلاء المناطق الشرقية من خانيونس، وربما كان تلميحاً إلى الإجابة عن سؤالنا أعلاه. إن الجيش الإسرائيلي، في أي حال، متأهب بقوات كبيرة للعمل في جميع أرجاء القطاع. لقد ضُغِطت رمال قطاع غزة بشدة تحت وطأة المعدات الثقيلة، لكننا لم نرَ وحلاً تعلق فيه هذه المعدات حتى الآن.

ما الذي يشكّل ضغطاً زمنياً على “الرباعي الأمني” الإسرائيلي: نتنياهو، غالانت، غانتس، أيزنكوت؟

خلافاً للاعتقاد السائد، فإن العالم لا يقف بأسره ضدنا، وهذا بعد ستة أسابيع من الحرب، بما فيها الأسابيع الثلاثة التي شهدت الاجتياح البري. لا تزال إسرائيل تتمتع بحرية عمل غير مسبوقة في قطاع غزة (وجزء كبير من الشرعية التي تتمتع بها إسرائيل جاء نتيجة للضربة التي تلقيناها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لكن آن الأوان لنقول كل الاحترام للمهنيين العاملين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، الذين يعملون بنجاعة واجتهاد حول العالم، بسلاح الـ “هسبراه” الكلّي القدرة الذي تستخدمه إسرائيل في هذه الحرب “فيلم الفظائع، الذي يمتد على مدار 47 دقيقة، والذي قام بإنتاجه مكتب الناطق بلسان الجيش).

ومع ذلك، يمكن للمرء أن “يشعر” بأن الجيش الإسرائيلي سيقوم في غضون أسابيع قليلة جداً بتخفيض عديد قواته في قطاع غزة، والبدء بتسريح جنود الاحتياط إلى أماكن عملهم، ومقاعد الدراسة. وإذا استمر كل شيء كما هو مخطَّط له تقريباً، فإن الأمر سيحدث بعد أن يصبح في الإمكان تنفيذ عمليات من الألوية الإسرائيلية ضد البنى التحتية لحركة “حماس”. وحينها، لن يكون هناك حاجة إلى عمل الجيش بنظام عمليات الفرق العسكرية.

عندما نتحدث عن أشهر طويلة، وربما سنوات من القتال المستمر في قطاع غزة، إلى أن يتم إنجاز هدف تطهير القطاع، فسيكون هذا هو النمط المعتمد. وفي هذه الأثناء، لا يزال الجيش الإسرائيلي يواصل، حتى في عز القوة النارية الهائلة للحرب في هذه المرحلة، عمليات “تأهيل هندسي” لمنطقة المحيط. منطقة القتل الموجودة على الجانب الفلسطيني من الجدار المحيط بالقطاع، وهي المنطقة التي لن تطأها قدم أي فلسطيني، حتى بعد انتهاء الحرب، والتي سيبلغ عرضها نحو كيلومتر واحد.

لقد لمّح غالانت، هذا الأسبوع، إلى أن سكان بلدة بيت حانون، التي ستكون، على ما يبدو، داخل المنطقة الأمنية في الزاوية الشمالية الشرقية من القطاع، لن يعودوا إلى منازلهم في نهاية الحرب. هذه البلدة هي البلدة الفلسطينية الأقرب إلى بلدات الغلاف، ومنها انطلق السكان، سواء على أقدامهم، أو بواسطة الدراجات الهوائية، في حملات “المجازر، والاغتصاب، والنهب”، بعد اقتحام قوات النخبة. إن كان هذا ما سيكون الحال عليه، فستتحول بيت حانون إلى رمز آخر في الوعي، من الرموز التي تولّدها حرب قطاع غزة. ستكون بيت حانون هي النسخة المحدثة للعام 2023 من مدينة الخرائب السورية الواقعة في قلب هضبة الجولان، أي مدينة القنيطرة. أو لعلّ الجيش يقوم بتسويتها بالأرض.

حزب الله، واليمن، وإيران

بينما كان الاهتمام حتى نهاية الأسبوع منصبّاً على القصة الدرامية لمستشفى الشفاء، استمرت الإنذارات والعمليات في “يهودا والسامرة”، وطبعاً، استمر التوتر على الحدود الشمالية أيضاً. على الرغم من أنه كان هناك عودة إلى الالتزام بـ “قواعد اللعبة” مع حزب الله، بعد خطاب نصر الله يوم السبت، وإطلاق صاروخ مضاد للدروع في اتجاه سيارة لشركة الكهرباء، وهو ما أدى إلى مقتل مدني واحد وإصابة خمسة خلال الأسبوع، وهذه العودة إلى الالتزام بقواعد اللعب قد تحول دون الانزلاق نحو حرب على الجبهة الشمالية.

أما إسرائيل، فقد جرى تحوّل في موقفها وصارت هي التي تنفّذ الهجمات الاستباقية، ولا تكتفي فقط بالرد على نيران حزب الله. لكن هذا ما زال لا يرقى إلى مستوى الحل الذي يضمن لسكان الحدود الشمالية العودة إلى منازلهم. وبناءً عليه، لا يزال يبدو أن الحرب الشاملة على الحدود الشمالية تم تأجيلها فحسب، وليس إلغاء هذه الحرب تماماً. وبالمناسبة، وفي ظل كثافة الأحداث الجارية، لم يحظَ بالاهتمام الإعلامي الكافي، ذاك الحدث التاريخي الذي جرى هذا الأسبوع، والمتمثل باعتراض صاروخ “حيتس 3” التابع لمنظومة الدفاع الجوي، لصاروخ أطلقه الحوثيون من اليمن، خارج الغلاف الجوي. إنه حقاً إنجاز تاريخي.

بصورة عامة، نحن لا نهتم كثيراً هنا بالحوثيين، وذلك على الرغم من أنهم شرعوا، فعلاً، في تهديد حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر هذا الأسبوع. وعاجلاً أم آجلاً، سيكون لزاماً على إسرائيل والولايات المتحدة “التعامل” مع الحوثيين أيضاً. وإذا ما تعرضت سفن إسرائيلية للهجوم، فسيتم التعامل مع هؤلاء في القريب العاجل.
مرة أُخرى، تثير الهجمات التي تشنها اليمن على إسرائيل التساؤلات عما إذا كان يتعين على إسرائيل أن تبادر إلى الهجوم على الأراضي الإيرانية نفسها، بدلاً من مهاجمة وكلاء إيران (إن الحاجة إلى ضرب إيران، على الأراضي الإيرانية نفسها، رداً على هجمات وكلائها، هي سياسة أعلنها نفتالي بينت في أثناء ولايته القصيرة لمنصب رئيس الحكومة).”
إلى ذلك، الحرب تثير التساؤل عما إذا كان الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى قوة صاروخية، وهو مشروع بدأ أفيغدور ليبرمان بالدفع في اتجاهه عندما استلم منصب وزير الأمن. في عهد ليبرمان، تمثلت الفكرة في أن يشكل سلاح الصواريخ إمكانات هجومية إضافية بعيدة المدى، إلى جانب القدرات الجوية الإسرائيلية. والآن، يبدو أن هذا البرنامج سيعود بعد الحرب.

قسم الحرب التكنولوجية البرية

على الرغم من أن نهاية حرب قطاع غزة لا تلوح في الأفق بعد، فإن هذه الحرب هي فعلاً أطول حروب إسرائيل، باستثناء “حرب التحرير” [نكبة 1948] (استمرت حملة “الجرف الصامد” 51 يوماً، لكنها لم تكن سوى حملة عسكرية، وليست حرباً). من أجل الحفاظ على القدرة على الاستمرار في هذا القتال الطويل والمكثف، يتعين على الجيش الإسرائيلي استخدام أقصى قدراته التكنولوجية واللوجستية.

هذه فرصة لتسليط الضوء على قسم التكنولوجيا اللوجستية، وهو أحد أكبر الوحدات في الجيش الإسرائيلي (بالتقاسم مع الوحدة رقم 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات). يخدم في هذه الوحدة آلاف الأشخاص، وكثيرون منهم من المهندسين، وتضاعفت بتجنيد الاحتياط. إن رئيس هذه الوحدة، اللفتنانت كولونيل رامي أبُدرام، نما في سلاح المدفعية، وكان رئيس أركان القيادة الوسطى، لكنه مهندس.لقد وضعت الحرب هذه الوحدة أمام تحدٍّ مباشر يتمثل في تجديد الخط الحدودي على امتداد جدار قطاع غزة الذي دمّرت حركة “حماس” معظمه في هجمتها المفاجئة. استغرق الأمر أسبوعاً ونصف، وبعدها، تم اختراع حلول بديلة تحت النار، من أجل العثور على بدائل على الحدود الشمالية، وقد هوجمت هذه القوات بالصواريخ أيضاً، من حزب الله هذه المرة.
تعالج هذه الوحدة، تحت النار، وفي عمق قطاع غزة، العشرات من الدبابات والناقلات المدرعة التي أصيبت بالصواريخ، وتعيدها إلى الخدمة في الميدان. كما ترافق الوحدة ناقلات الجنود المدرعة من طراز “إيتان” التي تم تطويرها في مصانع الدبابات والناقلات المدرعة في “تل هشومير”، وخضعت لمعمدانية النار في قطاع غزة خلال هذه الحرب.
من بين الدبابات والناقلات المؤللة التي تضررت في المعارك، هناك 3 أو 4 فقط تحتاج إلى عملية إعادة تأهيل طويلة. وهذا لا ينطبق حتى على دبابة الميركافا التي كانت نجمة مقاطع الفيديو التي صورها الفلسطينيون بجانب جدار القطاع صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

الفشل

يدور الحديث في صفوف الجيش أيضاً حول هذا الأمر، تحت وقع الصدمة: تثبت التحقيقات الأولية التي تجرى الآن في أثناء القتال عن إخفاقات مذهلة سبقت الإخفاق الكبير في صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر. الأمر يتجاوز كثيراً الفشل الاستخباراتي. إن الطريقة التي سيطر بها الجيش الإسرائيلي على الخط المقابل لقطاع غزة، يثير أسئلة صعبة عن مستوى مهنية الجيش. أسئلة تتعلق بعدم الاكتراث، والارتكان الزائد عن الحاجة على التكنولوجيا، والفوضى أيضاً: مثلاً، خلال الساعات الأولى من انهيار الخط، كان هناك عدد لا نهائي من قصص البطولات الفردية، لكن فرقة غزة ككل، لم تكن قادرة على العمل. ميدانياً، أطلقت أول دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي قذيفتها الأولى، بالذات، على دبابة إسرائيلية أُخرى. وكانت تلك طلقة البداية لسلسلة طويلة من الإخفاقات التي ستتم مناقشتها. وحتى فيما يتعلق باستمرار الاجتياح البري الذي يثبت نجاحاً كبيراً في قطاع غزة، فقد ظهرت فعلاً أسئلة استثنائية على غرار أن مقاتلي “غفعاتي” و “غولاني” لم يخرجوا مطلقاً من ناقلاتهم المدرعة من طراز “نمر” طوال الأيام الأولى [منعاً للالتباس، ليس المقصود بالتسمية مدرعات “فهد”، بل إن الاسم هنا هو اختزال لعبارة “ناقلة جنود مدرعة” و “ميركافا” وهي أحدث ناقلات الجيش الإسرائيلي المؤللة التي تتمتع بسرعة هائلة وتدريع كبير، إلى جانب منظومة “معطف الرياح” الدفاعية الاستباقية]، في حين أن مقاتلي الناحال والمظليين دخلوا إلى القطاع كمقاتلين في سلاح البر، أي على الأقدام. ليس من الواضح بعد، سبب عمل كل من غولاني وغفعاتي على هذا النحو.على المستوى النظامي، من الواضح فعلاً أن مَن سيقود الجيش الإسرائيلي، بعد موجة الاستقالات التي ستعمّ بعد انتهاء الحرب، سيكون مطالباً بتوسيع صفوف الجيش بصورة كبيرة، وتغيير كل شيء من أساسه، ابتداء من إطالة مرحلة الخدمة الإلزامية، وصولاً إلى تغيير طريقة التأهيل العسكري. ستكون هذه التغييرات أكبر كثيراً مما مر به الجيش الإسرائيلي بعد حرب يوم الغفران. لكننا الآن، ما زلنا نقاتل. وسيكون أمامنا وقت طويل لكي نصرفه على التحقيقات واستخلاص العبر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى