مقالات

هدنة لن تنهي الحرب ولا تمنع عودة المعركة

سامي سماحة- الديار

تم الإعلان عن هدنة لأربعة أيام، قابلة للتمديد لأربعة أسابيع أو أربعة أشهر أو أربع سنوات أو أكثر،المهم في الموضوع الحرب مستمرة والمعركة متوقعة في أية لحظة.

هدنة الأربعة أيام تكفي للوقوف على الأطلال، وهدنة الأربعة أسابيع تكفي لمعاينة الأضرار وهدنة الأربعة أشهر كافية للتفتيش عن المفقودين تحت الركام وهدنة الأربع سنوات كافية لشن حرب على العدو تكون غايتها تصفير فلسطين من جنود الاحتلال وليس تصفير السجون من الأسرى والمعتقلين.الهدنة في حرب التحرير القومية تعني وقف العمليات واستمرار الحرب باشكالها الأخرى والاستعداد الى جولة جديدة من جولات الحرب التي لا تنتهي إلا بتحرير الأرض المغتصبة.

لقد قبل العدو بالهدنة مع شعوره بأن قبوله يعني تجرّعه جرعات من السم، فهو فشل في تحقيق هدف القضاء على المقاومة،وفشل في ترحيل غزة الى سيناء، قبِل بالهدنة لأن استمرار المعركة يعني له الخسارات الكبيرة على جميع المستويات وكانت خسارة مرور سفنه عبر باب المندب آخر خساراته.

ليست الخسارة للعدو فقط، بل الخسارة لكل من سانده من أنظمة الدول وخاصة أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها وبعض الدول العربية الراغبة في القضاء على المقاومة والتي رفضت استعمال النفط والتوقف عن التطبيع وطرد البعثات الدبلوماسية وقررت والاستمرار في نهج التطبيع وإقامة أفضل العلاقات مع دولة العدو.

يصح القول بمن صاغ بنود الهدنة قول المتنبي: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم فالولايات المتحدة كانت رأس الحربة في المعركة وستبقى كذلك في زمن الهدنة واندلاع المعركة القادمة أما مصر وقطر لو أرادا وقف حرب الإبادة على غزة كانا رفعا بوجه أميركا البطاقة الحمراء.

أُجبرت الإدارة ألأميركية على القبول بالهدنة وأجبرت معها دولة العدو الموافقة على شروط الهدنة، لأنها تخسر في فلسطين وتخسر في أميركا، وبدأت تخسر في المنطقة، فآخر استطلاع أجرته جامعة هارفارد على الشباب الذين أعمارهم دون العشرين أظهر وقوف 95 بالمئة منهم مع الشعب الفلسطيني وهذه إشارة أربكت وأخافت الإدارة الأميركية وأجبرتها على الخضوع لبعض شروط المقاومة.

من الإشارات المهمة التي ظهرت مع سريان مفعول الهدنة،عودة الغزاويين الى منازلهم المهدمة الى ركام الأبنية الى أماكن أعمالهم التي أصبحت دمارا، الى مدارس أبنائهم التي فقدت كل معالم البناء الى المستشفيات التي أصبح ما بقي منها خرابا، الى الجوامع التي يعيش على ركامها طيور الحمام الى الكنائس التي أصبحت أجراسها كأشلاء الشهداء، عاد سكان غزة وهم يعلمون انهم سيرون كل هذه المشاهد التي تدمي القلوب.بينما سكان المستوطنات في الحدود الشمالية وفي غلاف غزة الذين هربوا من منازلهم يأبون العودة وهذا دلالة على هشاشة ارتباطهم بالمكان الذي هو الأرض والذي لا يعني لهم سوى رغد العيش.

يعود سكان غزة الى بيوتهم المدمرة رغم أنف العدو، وهم على استعداد ليسكنوا في خيم تُنصب على الدمار أو الى جانبه،لأن علاقتهم بالمكان علاقة وجود وحياة، يعودون ولو استدعت عودتهم النوم في الطريق جنب المنزل بفراش من تراب الحجارة ولحاف هو سماء غزة ووسادة مصنوعة من حجارة المنازل.

يعود سكان غزة الى منازلهم أطفالا دون أباء وأمهات مصممون على بناء حياة لهم تُعدّهم ليكونوا في المستقبل رجالا ونساء صنعوا عائلات، يعودون أمهات وأباء دون أطفال ويصممون على إعادة بناء عائلات من جديد.

كم من المنازل التي فقدت جميع أفراد العائلة، كم من الأحياء التي فقدت سكانها،

ستشتاق المنازل الى أهلها، ستشتاق الأحياء الى عجقة سكانها، لكن من المؤكد أنه غدا سيكون لهذه البيوت أهل ولهذه الأحياء عجقة، لأننا أبناء الحياة وأبناء الحياة لا تمحي أثارهم المجزرة

ليس مهما ان تعود الى غزة الأبراج الشاهقة، ولا العمارات ذات الطوابق الكثيرة، المهم أن يكون لكل عائلة منزل ولكل طفل مدرسة ولكل مريض مشفى ولكل متخصص فرصة عمل ولكل مناضل خلية ولكل فنان مسرح ولكل مشاهد مدرج.

لقد أثبتت هذه الحرب أن المقاومة في فلسطين وبلادنا تقاتل وحدها تقاوم وحدها تهاجم وحدها تدافع عن العالم العربي وحدها، في حين أن بعض الأنظمة العربية تتآمر عليها.

الهدنة في قاموسنا محطة لأخذ النفس وتشغيل الذاكرة والنظر الى الأمام وتأمين متطلبات الآتي الذي سيكون أصعب والنصر فيه يتطلب تحضيرات متطورة أكثر، لن تكون الهدنة عندنا فترة استراحة، لأنه لا وقت للراحة في حياتنا، نحن في ورشة نضال بدأت من زمان ولا تنتهي إلا حين يخرج من فلسطين آخر مستوطن ويعود الى مسقط رأسه أو مسقط رأس أهله وأجداده أو حيث تذكر تذكرة هويته مكان جنسيته التي تؤكد انتمائه الى بلد آخر غير فلسطين.

هذه هدنة لن تنهي الحرب ولا تمنع عودة المعركة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى