لم تتأخّر الوقائع المعلنة من ميادين الحرب أن تحقق توقعات سبق ونشرت في هذه الزاوية عن تصاعد نسبة الخسائر في ألوية النخبة والقوات المحترفة في جيش الاحتلال، وانتقالها من 25 % إلى 40 %، حيث يصبح مستحيلاً بقاء هذه الوحدات في ساحة المعركة، ويصبح ترميمها مشروطاً بسحبها من الميدان، وهذا ما حدث أمس تباعاً مع لواء جولاني ولواء المظليين.
يبلغ مجموع القوة البرّية المحترفة لجيش الاحتلال 60 ألفاً من أصل 170 ألفاً هو مجموع العديد النظامي لجيش الاحتلال، تشكل قوات البحر والجو منها قرابة 50 ألفاً، والقوات البرية 120 ألفاً، منها 20 ألف لقوات المدفعية و100 ألف لقوات البر، منها 60 ألفاً هي القوة القتالية الصافية التي يمكن زجها في ميادين الحرب، تتوزّع على ثلاث كتل كبرى كل منها من عشرين ألف مقاتل، بينما يبلغ الاحتياط قرابة الـ 500 ألف جنديّ وضابط، لكن لا يمكن الزجّ بالاحتياط في خطوط الاشتباك الهامة، فتسند إليه مهمة الانتشار في الخطوط الخلفية الدفاعية، أو في المناطق التي يتمّ بسط السيطرة عليها من القوات المحترفة ووحدات النخبة.
دخل جيش الاحتلال الى الجولة الأولى من الحرب البرية في آخر شهر تشرين الأول بفرقتين من النخبة والقوى النظامية المحترفة، وقوام بشريّ من 20 ألف جندي وضابط وقرابة ألف آلية عسكرية منها 300 دبابة، ودخل الجولة الثانية في جنوب غزة في مطلع شهر كانون الأول بعد نهاية الهدنة، حيث تمّ الزج بـ 20 ألف جندي إضافي من نوعيّة القوات المحترفة ووحدات النخبة ذاتها، كانت تتولى القتال في الضفة الغربية، حيث نشرت بدلاً منها وحدات من حرس الحدود ووحدات تابعة للشاباك وعناصر الشرطة، ثم خلال يومين تمّ سحب نصف القوة التي سبق وتم إرسالها الى جبهة الحدود مع لبنان وقوامها عشرة آلاف جندي وضابط من أصل عشرين ألفاً بقي منهم على جهة لبنان عشرة آلاف تمّ توزيعهم على فرق الاحتياط وتطعيمهم بها على مستوى الكتائب.
وفقاً للتقارير التي تجمع عليها وسائل الإعلام الإسرائيلية، لا مناطق سيطرة خالصة في غزة لجيش الاحتلال تتيح الاستعانة بقوات الاحتياط لنشرها فيها، وبالتالي لا تزال غزة كلها ساحة حرب متنقلة ومتحرّكة، والقتال فيها من عيار يستدعي الاعتماد حصراً على القوات المحترفة ووحدات النخبة. ووفقاً لهذه التقارير فقد خسرت هذه الوحدات في الجولة الأولى، أي قبل الهدنة ربع قوامها، وهو الرقم الذي نشرته يديعوت أحرونوت وأكدته أرقام المستشفيات عن 5000 إصابة، من أصل 20 ألف مقاتل، والواضح أن التعزيزات التي نقلت من جبهة جنوب لبنان وهي نصف القوى المحترفة التي كانت هناك، أي عشرة آلاف، جرى دمجها بتشكيلات القتال في شمال غزة، ومنها كتيبة من لواء جولاني وكتيبة من لواء المظليين، بينما أرسلت الوحدات التي جلبت من الضفة الغربية إلى القتال في خان يونس وجبهات جنوب غزة.
الإعلان عن سحب لواء جولاني ولواء المظليين من ساحات القتال، بهدف إعادة الهيكلة والترميم، يعني أن هذين اللواءين قد خسرا 40% من قوامهما البشريّ، إضافة طبعاً لخسارة نسبة موازية من الآليات، وما يصح في حالة هذين اللواءين يصح حكماً في حال سائر القوى النظامية ووحدات النخبة، التي تنتظر عودة هذين اللواءين حتى يحين دورها في الانسحاب وإعادة الهيكلة، ونسبة الـ 40% من الخسائر من القوام البشري يعني أن مجموع الخسائر البشريّة قد ارتفع من 5 آلاف إلى 20 ألف بين قتيل وجريح، من أصل 50 ألفاً أصبحوا في غزة، بقي منهم 30 ألفاً فقط، مقابل عشرة آلاف مقاتل محترف على جبهة لبنان فقط.
إعادة الهيكلة أمام أحد خيارين، إما الحفاظ على القوام الأصلي ذاته للوحدة العسكرية. وهذا يستدعي تعويض ما نقص من هيكليتها بإضافة عناصر من الاحتياط، وإخضاع الوحدة لتدريبات تتيح لها رفع مستوى جهوزيّتها، لكن بالتأكيد النتيجة سوف تكون أن الوحدة العسكرية فقدت الكثير من كفاءتها وحيويتها وروحها القتالية، خصوصا أنها خرجت من ساحة الحرب مهزومة. والخيار الثاني هو عدم إضافة عناصر الاحتياط إلى الوحدة للحفاظ على مستواها الفني والعملياتي، وبالتالي إعادة فك وتركيب السرايا والكتائب عبر دمجها، وتعويض ما خسرته كتيبة من كتيبة ثانية أو أكثر، وهذا يعني تقليص عديد الوحدة، بنسبة ما خسرته وبالتالي تراجع قدرتها القتالية بالنسبة ذاتها.
إلى حين نهاية التأهيل والترميم، سوف تمضي أسابيع، تتولى خلالها وحدات احتياط مواقعها دون أن تقوم بهجمات بدلاً منها، وبعد عودتها سوف تخرج وحدات أخرى مصابة وتنتظر دورها في الهيكلة والترميم، ما يعني أن جيش الاحتلال سوف يمرّ بمرحلة تزيد عن الأسابيع تتراجع خلالها قدرته القتالية كثيراً، لأن هذه القدرة ستبقى متراجعة بعد إعادة تأهيل الوحدات المصابة، بالقياس للبدايات، لكن قبل الترميم ستكون الكفاءة القتالية لجيش الاحتلال في أسوأ أيامها. وهذا ما تدركه المقاومة جيداً وبالتفاصيل، وربما هذا تفسير تصاعد الهجمات النوعيّة للمقاومة خلال هذه الفترة وارتفاع نسبة الخسائر ما تسبّب بمأزق أكبر لجيش الاحتلال، وربما هذا يفسّر أيضاً التصعيد على جبهة لبنان من جانب المقاومة.