الفشل أشدّ وضوحاً أيضاً في العنوانين المعلنين للعملية البرية وهما، اجتثاث حماس وإطلاق الأسرى، وقد توسّع انتشار جيش الاحتلال على خطوط طولية وعرضية والثقافية بين المدن والبلدات والمخيمات والأحياء تزيد بمجموعها عن ألف كيلومتر، حوّلتها المقاومة الى خطوط تختار منها أفصل نقاط الضعف والخواصر الرخوة كي تهاجم وتضرب، وحيث تجمّعت آلياته وحشود جنوده صار طعماً لقذائف الهاون، وحيث توزع صار هدفاً لمجموعات القذائف الصاروخية والرشاشات، والحصيلة واضحة، أنّ زمام المبادرة في الميدان للمقاومة، وأنّ النزيف في جسد جيش الاحتلال بأضعاف مضاعفة لما يعلن، وقدرة الاحتمال النفسي قبل أيّ شيء آخر تتآكل بسبب الفشل وضراوة القتال، وفي ملف الأسرى الفشل مضاعف حيث تتسبّب عمليات القصف من جهة ومحاولات اقتحام أماكن احتجاز بعض الأسرى من جهة مقابلة، الى قتل هؤلاء الأسرى بدلاً من تحريرهم.
على جبهاته الأخرى لا يملك جيش الاحتلال قدرة تحقيق إنجاز، وقد فعل سقف ما يستطيع فعله في الضفة الغربية، وإذا ارتضى معادلة المواجهة الراهنة على جبهة لبنان فهو في قلب حرب استنزاف يخسر فيها مهابته وجنوده وثقة مستوطنيه، ورغم التكتم على حجم الخسائر فما أعلنته مستشفيات المنطقة عن استقبال مئات الإصابات منها مئتي إصابة خطيرة يدلّ على حجم ما تحققه المقاومة على هذه الجبهة من إنجاز، وما قاله وزير الحرب في حكومة الاحتلال يوآف غالانت يصف الوضع بشكل دقيق، «حربنا لا مفرّ منها وإنْ لم نحقق الانتصار فلن تكون لنا حياة في هذه المنطقة»، وما دامت الحرب على غزة تتحوّل الى حرب استنزاف وحرب جنوب لبنان كذلك، والجبهتان مترابطتان، ووقف النار من بوابة غزة هزيمة، بينما وقف النار من بوابة لبنان نصف هزيمة، وقابل للتصوير كنصف انتصار، والاحتكام الى فائض القوة الناري والجوي تحديداً في غزة استنفد قدراته وهو عبء ثقيل لأنه قتل للمدنيين من طرف واحد، انقلاب الرأي العام العالمي والغربي خصوصاً والأميركي بالأخص خير دليل، والوقت عامل استنزاف أيضاً، بينما استخدام فائض القوة النارية والجوية تحديداً في مواجهة لبنان يستدرج فائض قوة مواز، وربما يخلق توازناً سياسياً ويتيح الادّعاء بأنّ كيان الاحتلال يتعرّض لحرب إبادة، بما يفتح الباب لتحقيق نسبة من التوازن في الرأي العام العالمي، ووربما يتيح الفرصة لإعادة توحيد الداخل الإسرائيلي تحت شعار مواجهة الخطر الوجودي، وعندها لا مانع من وقف إطلاق نار شامل تصبح فيه غزة جزءاً من كلّ، ما دام البديل هو الهزيمة البائنة.
يطرح قادة الكيان هذا الخيار أمام حلفائهم الغربيين وخصوصاً الأميركيين، الذين فشلوا بنظر قادة الكيان في إثبات فعالية الردع الذي تعهّدوا به في بداية الحرب، وقد فشلوا على جبهة لبنان، وفشلوا على جبهة اليمن والبحر الأحمر، وفشلوا حتى في تجنيب قواعدهم العسكرية في العراق وسورية خطر الاستهداف، وهكذا تتحرك واشنطن وتحرك معها باريس، وربما عواصم عربية، لشراء نصر لجيش الاحتلال على جبهة لبنان دون قتال عبر وهم فعالية الضغط التلويح والتهديد، لكن المقاومة التي تقرأ ماذا يدور في عقول قادة الكيان كما يقرأ المرء الخطوط على كف يده، تعرف انّ اللحظة الحرجة تقترب، وقد أعلنت بلسان قائدها السيد حسن نصرالله أنّ كلّ الاحتمالات مفتوحة، وأنّ كلّ الخيارات مطروحة وفي أيّ وقت، والعين على الميدان، خصوصاً ما يجري في غزة وسلوك الاحتلال تجاه جبهة لبنان، والمقاومة لن تتوقف إلا بضمان وقف العدوان وانتصار المقاومة بعنوان حركة حماس.
كلّ الاحتمالات مفتوحة.